إعلان "الريف" و"القبائل"- لعبة انفصال تقوض المغرب والجزائر.

المؤلف: حسن أوريد11.10.2025
إعلان "الريف" و"القبائل"- لعبة انفصال تقوض المغرب والجزائر.

هنالك مقولة رائجة في المغرب العربي مفادها: "اللي تلف يشد الأرض"، وهي بمثابة نصيحة للمسافر الضائع بأن يبقى حيث هو حتى تتضح الرؤية، مستوحاة من حياة الرحل الذين ينصحون بالتزام المكان عند هبوب العواصف التي تحجب المسالك.

إننا اليوم نعيش في عالم تكتنفه الضبابية في ظل التحولات الهائلة التي يشهدها، والتي لا تضاهيها إلا التغيرات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية. لذلك، من الحكمة التروي وعدم التسرع في اتخاذ قرارات انفعالية أو ارتجالية. فمن الخطأ الفادح التفكير بمنطق الماضي في عالم يشهد مخاضًا عسيرًا لتشكيل ملامحه الجديدة.

هذه الكلمات بمثابة تمهيد للحديث عن حدث جلل، وإن بدا للبعض عاديًا، وهو الإعلان عن قيام "جمهورية الريف" في الجزائر العاصمة، وتحديدًا في حي السفارات، مع كل ما يصاحب ذلك من مظاهر البهرجة والاحتفال، من نشيد وطني باللغة الأمازيغية (تاريفيت) وعلم خاص، وإعلان للتوجهات.

إن سياسة دعم الحركات الانفصالية هي مقامرة غير مأمونة العواقب، فالتساهل معها قد يقوض النسيج الاجتماعي في كل من المغرب والجزائر، ويشعل فتيل حروب أهلية طاحنة، ويغذي صراعًا أبديًا بين العرب والأمازيغ.

لا يتطلب الأمر أن يكون المرء خبيرًا أو متخصصًا ليدرك ببساطة أن هذا الإعلان يخدم استراتيجية الجزائر، وفقًا لما يسميه الرياضيون "الاستدلال بالعبث"، أو ما يعرف لدى المناطقة بـ "الافتراض الجدلي" لقيام "جمهورية الريف". فنجاح أي حركة انفصالية سيشجع حركات أخرى مماثلة، وهي كثيرة وقابلة للتحقيق إذا ما توفر لها الدعم الإعلامي، واستغلال للجراح العميقة، وتوفر مختبرات خبراء، وأحداث مصطنعة، وتوظيف للأحداث الجارية، ودعم دولي. فكم من حركات سلمية تنادي بحقوق ثقافية "مشروعة" انتهت بالدماء والمطالبة بالانفصال.

في خضم هذه التحولات الكبرى التي يشهدها العالم، يكمن المنطق السليم في توجيه الجهود نحو رأب الصدع بين الجزائر والمغرب، والتفكير مليًا في هذه التحولات، والسعي لجعلها تصب في مصلحة شعوب المنطقة والعالم العربي، على غرار ما حدث في أوروبا الشرقية في نهاية القرن الماضي، والذي أثر بشكل كبير على البلدين.

لقد استأنف المغرب آنذاك علاقاته الدبلوماسية مع الجزائر بعد قطيعة طويلة، وحضر الملك الراحل الحسن الثاني القمة العربية التي انعقدت في الجزائر عام 1988، وتبع ذلك لقاء زرالدة في ضواحي الجزائر العاصمة. لكننا اليوم في وضع معاكس تمامًا.

إن "الإعلان" عن "جمهورية الريف" داخل الحدود المعترف بها دوليًا للمغرب، لا يخدم المنطقة ولا العالم العربي ولا الجزائر. وبالمثل، فإن الدعوة إلى تقرير مصير "شعب القبايل" لا يخدم المنطقة ولا العالم العربي ولا المغرب.

لم أتردد في انتقاد تصريح سفير المغرب لدى الأمم المتحدة، السيد عمر هلال، بشأن حق "شعب القبايل الأبي" في تقرير مصيره، وذلك في خضم جدل مع نظيره الجزائري في 14 يوليو/تموز 2021. وقد كتبت وصرحت في مناسبات دولية مختلفة عن تهور هذا التصريح.

كان بالإمكان تجاوز الأمر، خاصة وأن الملك محمد السادس خصص خطابه بمناسبة عيد العرش للعلاقات المغربية الجزائرية (30 يوليو/تموز 2021)، واصفًا الشعبين بأنهما أكثر من شقيقين، بل "توأمان سياميان"، مؤكدًا أن الشر لن يأتي من المغرب، وهي العبارة التي تتكرر أيضًا في الخطاب الرسمي الجزائري تجاه المغرب: الشر لن يأتي من الجزائر. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل نصدق الخطابات أم الأفعال؟

لا شك أن منطقة القبايل في الجزائر تتميز بخصوصيتها الثقافية، ولكنها كانت في صلب معركة التحرير وقلبها النابض. وبعد الاستقلال، تبنى بعض قادتها خيارات سياسية مختلفة عن تلك التي تبنتها الجزائر، إلا أن الانفصال لم يكن مطروحًا على الإطلاق، ولا تحمله أي قوة فعلية أو ذات مصداقية، ولا يتمتع بأي تواجد شعبي.

الأمر نفسه ينطبق على منطقة الريف في المغرب، فهي تتمتع بخصوصية ثقافية فريدة، وشهدت معركة الأمير عبد الكريم الخطابي لتحرير الريف أولاً وتوجيه قواته إلى المناطق الخاضعة للحكم الفرنسي.

وللتذكير، فقد اقتسمت السلطات الاستعمارية المغرب بين فرنسا وإسبانيا، مع منطقة دولية في طنجة. وقد كان اندلاع المقاومة في الريف، بالشكل الذي ظهرت به، والمسار الذي اتخذته، نتيجة للتقسيم الذي خضع له المغرب وسياسات إسبانيا.

من المؤكد أيضًا أن منطقة القبايل شهدت اضطرابات كبيرة بعد مقتل الناشط ماسينسة كرماح في أبريل/نيسان 2001، مما أدى إلى ما عُرف بالربيع الأسود. ومن المؤكد أيضًا أن حادثة طحن بائع السمك محسن فكري في الحسيمة في أكتوبر/تشرين الأول 2016 كانت الشرارة التي أشعلت حراك الريف. ومع ذلك، لم تكن المطالبة بالانفصال واردة في الحالتين.

إن لعبة دعم الانفصال هي لعبة خطيرة وغير محسوبة العواقب، فالتساهل معها سيقوض البنى الاجتماعية في كل من المغرب والجزائر، ويشعل فتيل حروب أهلية، ويغذي صراعًا لا ينتهي بين العرب والأمازيغ، ويتحول إلى بركان يقذف بحممه على المنطقة، ويزعزع الاستقرار في حوض البحر الأبيض المتوسط.

لطالما حظينا بالتقدير في المغرب العربي لتوحيدنا في الدين والمذهب، ولم ينظر القادة الأمازيغ إلى مستقبل بلادهم خارج إطار الوحدة، بدءًا من الأمير عبد الكريم الخطابي، مرورًا بالحسين آيت أحمد، وصولًا إلى محمد بنسعيد. ولكننا الآن نتعامل مع فاعلين يحملون نفس المرجعيات ولكن ليس نفس التوجهات. فهل نحن حقًا في نفس السياق؟

يجب أن يتوجه الحديث هنا ليس فقط إلى صناع الرأي في البلدين، بل إلى أصحاب القرار على وجه الخصوص، من أجل التوقف عن ردود الفعل والمزايدات. هناك جفاء واضح بين البلدين يجب التعامل معه بواقعية، تمامًا كما يفعل الطبيب عندما يسعى إلى احتواء المرض. أما تجاهل أبجديات التعامل الدولي، من خلال دعم الانفصال والتدخل في الشؤون الداخلية ونكث الالتزامات الدولية، فهي لعبة خطيرة وغير مسؤولة.

إن أفعال العقلاء تنأى عن العبث، ولكن للأسف الشديد، غالبًا ما يتم توظيف الذكاء الفردي في أمور تضر بالمصلحة الجماعية. وهذا من أكبر مآسينا.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة